حقل الأرملة
(ترجمها المؤلّف عن الفرنسيّة –بتصرّف- لتلاميذه في الصفّ الخامس)
كان لأرملة مسكينة حقل صغير، مجاور لحدائق الخليفة الحاكم، فأراد ذات يوم أن يبني فيه قصرًا فعرض على صاحبته أن يبتاعه منها، فأبت عليه ذلك قائلة لرسوله إنّها لن تتخلّى أبدًا عن إرث أبيها؛ غير أنّ الحاكم لم يبلغه عدم رغبتها في البيع.
وكان للخليفة وكيل يدبّر شؤون حدائقه، فضرب بإرادة المرأة عرض الحائط، وعمل على هواه كأنّه وزير ملك طاغية، واستولى عنوة على الحقل وشيَّد فيه القصر.
وعندما انقطع أمل المرأة البائسة في استعادة حقّها السليب، هرولت إلى قرطبة حيث شكت أمرها إلى القاضي المسمَّى بشيرًا، واستشارته فيما عليها أن تصنع. فبحث القضيّة وعرف أنّ أمير المؤمنين كان غير مُصيب في الاستيلاء على مِلك الغير، وفكّر في طريقة تذكّره بهذه الحقيقة التي قد ينساها أحيانًا خير الأمراء.
ففي ذات يوم، بينما الحاكم في قصره المنيف، المشيّد في أرض الإمرأة المسكينة، تلحق به حاشيته، إذ أقبل بشير القاضي راكبًا حماره وحاملًا بيده كيسًا فارغًا، فتعجّب الخليفة وسأله عن حاجته فقال: "يا أمير المؤمنين، جئت أطلب منك ملء هذا الكيس من التراب الذي تدوسه الآن بقدميك"، فأجابه للحال إلى طلبه، فملأ القاضي كيسه بالتراب؛ ولمّا فرغ منه تركه واقفًا ودنا من الخليفة وتوسّل إليه أن يتمّ فضله ويساعده في رفع الكيس على الحمار، فلم يتضايق الحكم من طلبه الثاني وأتى ليرفع الكيس، ولكن، لم يكد يحرّكه حتّى تركه يسقط وهو يضحك شاكيًا ثقله. عندئذ قال بشير بلهجة تدلّ على الرصانة والهيبة: "يا أمير المؤمنين قد استثقلت هذا الكيس مع أنه لا يحتوي إلّا قسمًا ضئيلًا من تراب الحقل الذي اغتصبته من إحدى نساء رعيّتك، فكم بالأحرى سيُثْقِل نفسك ويُتعبها ثقل هذا الحقل"؟ فتأثّر الحاكم من ذلك التشبيه وبادر إلى القاضي فقبّله وشكره معترفًا بخطإه ورجع إلى الحقّ وردَّ للمرأة المسكينة من ساعته حقلها المغتصب، ووهبها القصر وما فيه من كنوز وثراء.